الأحد، 27 ديسمبر 2015

اسألوا اهل الذكر ... لفضيلة الشيخ العلامه سعيد الحلي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على الرسول الامجد ابي القاسم محمد وعلى اله الغرالميا مين واصحابه المنتجبين

تمهيد
لعل أحسن مرجع للبحث فيه عن معنى الذكر هو القرآن الكريم المعجز المحفوظ والذي هو نور وهداية يهدي بإذن الله عز وجل إلى الصراط المستقيم وقد جاء القرآن مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل ومهيمنا عليهما وهذا من نعم الله علينا فالحمد الله الذي أنزل على عبده القرآن وما من نعمة توازي نعمة الهداية والرشاد  .
فالحمد لله الذي منً علينا بأن أنزل علينا القرآن مصدقا لما جاء من الحق في التوراة والإنجيل .
كثيرا ما يستشهد المسلمون بالآية الكريمة التالية( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لإثبات حفظ القرآن ولكن هل الذكر إشارة إلى القرآن الكريم فقط أم هي إشارة إلى باقي الكتب السماوية؟
للإجابة على هذا التساؤل سنستعرض الآيات التي وردت فيها كلمة الذكر في محاولة للإستدلال على معناها من خلال القرآن الكريم
أولا سأبدأ من الآية الكريمة التالية من سورة النحل آية 43وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
 والآية 7 من سورة الانبياء وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ , فالآية واضحة تمام الوضوح وفهمها لا يحتمل تأويل أو تحليل ومع ذلك لا بأس من توضيح معناها, فالآية تدعونا للتساؤل والتفكر بنبوة محمد وبالوحي الذي يوحى إليه وهل ما هو عليه حالة فريدة لم يسبقه بها أحد فيكون مثارا للشك والريبة وداعيا لتكذيبه أم أن هذه هي حال الأنبياء من قبله وأن هذه هي سنة الله في بعث الأنبياء ولا يتأتى الجواب إلا من خلال سؤال أهل الكتاب الذين عندهم خبر وسيرة الكثير من الأنبياء والمرسلين وبهذا يتبين أن المقصود من أهل الذكر هم طائفة من أهل الكتاب والله أعلم
وبما أن الذكر نسب لأهل الكتاب فهذا دليل على أن الذكر قد انزل إلى أهل الكتاب أيضا كما أنزل إلى المسلمين مما يبين أن الذكر ليس في القرآن وحسب وإنما هو موجود أيضا في باقي الكتب السماوية السابقة وإليك دليل آخر يؤيد ويؤكد هذه النتيجة وهي الآية 105 من سورة الأنبياء) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون( فالآية تبين أن الذكر قد كتب في الزبور ومن ثم كتب فيه أن الأرض يرثها عبادي الصالحون وهذا يوافق ما توصلنا إليه سابقا بأن الذكر موجود في الكتب السماوية ومنها الزبور بناءا على ما سبق نخلص إلى ثلاث حقائق وهي
 أولا: أن الذكر موجود في جميع الكتب السماوية 
ثانيا: أن الذكر الموجود في الكتب السماوية واحد لا إختلاف فيه من كتاب سماوي لآخر فالذكر تنزيل العزيز الرحيم (أي بمعنى وحدة المصدر) وهذا غني عن دليل يؤكده ويوضحه لنا نحن معشر المسلمين الذين نؤمن بأن الله عز وجل هو الذي أنزل هذه الكتب السماوية جميعها وطالبنا بالإيمان بها وتصديقها ولعل هاتين الآيتين تكون كافيتين لإثبات هذا
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : 285
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136
ثالثا: أن الله عز وجل قد حفظ الذكر الموجود في الكتب السماوية ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)


تعريف الذكر
الذّكر لغةً مصدر ذكَر الشّيء يذكره ذِكْراً وذُكْراً، وقال الكسائيّ‏:‏ الذّكر باللّسان ضدّ الإنصات ذاله مكسورة، وبالقلب ضدّ النّسيان وذاله مضمومة، وقال غيره‏:‏ بل هما لغتان‏.‏ وهو يأتي في اللّغة لمعانٍ‏:‏
الأوّل‏:‏ الشّيء يجري على اللّسان، أي ما ينطق به، يقال‏:‏ ذكرت الشّيء أذكره ذكراً وذكرًا إذا نطقت باسمه أو تحدّثت عنه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا‏}‏‏.‏ والثّاني‏:‏ استحضار الشّيء في القلب، ضدّ النّسيان‏.‏ قال تعالى حكايةً عن فتى موسى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ‏}‏‏
قال الرّاغب في المفردات، ونقله عنه صاحب القاموس في بصائره‏:‏ ‏"‏ الذّكر تارةً يراد به هيئة للنّفس بها يمكّن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ، إلاّ أنّ الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذّكر يقال باعتبار استحضاره، وتارةً يقال لحضور الشّيء القلب أو القول‏.‏ ولذلك قيل‏:‏ الذّكر ذكران‏:‏ ذكر بالقلب، وذكر باللّسان، وكلّ واحدٍ منهما ضربان‏:‏ ذكر عن نسيانٍ، وذكر لا عن نسيانٍ، بل عن إدامة حفظٍ‏.‏ وكلّ قولٍ يقال له ذكر‏.‏
ومن الذّكر بالقلب واللّسان معاً قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً‏}‏‏
أمّا في الاصطلاح فيستعمل الذّكر بمعنى ذكر العبد لربّه عزّ وجلّ، سواء بالإخبار المجرّد عن ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثّناء عليه بتقديسه، وتمجيده، وتوحيده، وحمده، وشكره وتعظيمه‏.‏
ويستعمل الذّكر اصطلاحاً بمعنىً أخصّ من ذلك، فيكون بمعنى إنشاء الثّناء بما تقدّم، دون سائر المعاني الأخرى المذكورة‏.‏ ويشير إلى الاستعمال بهذا المعنى الأخصّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ‏}‏ وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن اللّه تعالى‏:‏ «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين»‏.‏ فجعلت الآية الذّكر غير الصّلاة، على التّفسير بأنّ نهي ذكر اللّه عن الفحشاء والمنكر أعظم من نهي الصّلاة عنهما، وجعل الحديث الذّكر غير تلاوة القرآن، وغير المسألة وهي الدّعاء‏.‏
وهذا الاستعمال الأخصّ هو الأكثر عند الفقهاء، حتّى إنّ ابن علّان ذهب إلى أنّه الحقيقة، وأنّ استعماله لغير ذلك من المعاني مجاز‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ أصل وضع الذّكر هو ما تعبّدنا الشّارع بلفظه ممّا يتعلّق بتعظيم الحقّ والثّناء عليه ‏‏‏
قال ابن علّان‏:‏ جواب السّلام ليس موضوعاً لذلك، أي للثّناء والتّعظيم‏.‏ فإطلاق الذّكر عليه مجاز شرعيّ سببه - أي علاقته - المشابهة أي من حيث هو قول يبنى عليه الثّواب‏.‏ وأطلق الذّكر في القرآن على عدّة أمورٍ باعتبار المعنيين اللّغويّين أو واحدٍ منهما، فأطلق على القرآن العظيم نفسه في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏}‏‏.‏
وأطلق على التّوراة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ‏}‏‏.‏
وأطلق على كتب الأنبياء المتقدّمين‏.‏ قال الرّاغب‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ‏}‏ أي الكتب المتقدّمة‏.‏ وقال الزّبيديّ‏:‏ كلّ كتابٍ من كتب الأنبياء ذكر، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي‏}‏ أي هذا هو الكتاب المنزّل على من معي والكتاب الآخر المنزّل على من تقدّمني، وهو التّوراة والإنجيل والزّبور والصّحف، وليس في شيءٍ منها أنّ اللّه أذن بأن تتّخذوا إلهاً من دون اللّه‏.‏ وقد فسّرت الآية أيضاً بغير ذلك‏.‏
وأطلق الذّكر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً، رَّسُولاً‏}‏‏.‏ فقد قيل‏:‏ إنّ الذّكر هنا وصف للرّسول صلى الله عليه وسلم كما أنّ الكلمة وصف لعيسى عليه السلام، من حيث إنّه بشّر به في الكتب المتقدّمة
وأطلق الذّكر بمعنى الصّيت، ويكون في الخير والشّرّ، وبمعنى الشّرف، من حيث إنّ صاحبهما يذكر بهما‏.‏ وقد فسّر بهما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ‏}‏‏.‏
وأطلق الذّكر بمعنى الاتّعاظ وما يحصل به الوعظ، وقد فسّر بذلك قوله تعالى ‏{‏وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ‏}‏ قال الرّازيّ‏:‏ المعنى‏:‏ أنردّ عنكم النّصائح والمواعظ‏.‏ وقد فسّرت بغير ذلك‏.‏ وأطلق الذّكر في السّنّة النّبويّة على اللّوح المحفوظ، وذلك في قول النّبيّ‏:‏  وكتب اللّه في الذّكر كلّ شيءٍ. أي لأنّ اللّوح محلّ للذّكر كتب اللّه فيه كلّ شيءٍ من الكائنات‏.‏

  ذكر اللّه تعالى
   الذّكر محبوب مطلوب من كلّ أحدٍ مرغّب فيه في جميع الأحوال، إلاّ في حالٍ ورد الشّرع باستثنائها، كحال الجلوس على قضاء الحاجة، وحال سماع الخطبة على ما يأتي‏.‏ ودليل استحبابه أنّ اللّه أمر به في آياتٍ كثيرةٍ، ونهى عن ضدّه من الغفلة والنّسيان، وعلّق الفلاح باستدامته وكثرته، وأثنى على أهله وجعلهم أهل الانتفاع بآياته، وأنّهم أولو الألباب، وأخبر عن خسران من لها عن الذّكر بغيره، وجعل ذكره تعالى لأهله جزاء ذكرهم له، وأخبر أنّه أكبر من كلّ شيءٍ، وجعله قرين الأعمال الصّالحة، وجعله مفتتحها ومختتمها، في آياتٍ كثيرةٍ يرد بعضها أثناء هذا البحث لا نطيل بذكرها هنا‏.‏
ويزداد استحباب الذّكر في مواضع يأتي تفصيلها‏.‏
وقد يكون واجباً، ومن الذّكر الواجب بعض أذكار الصّلاة كتكبيرة الإحرام وقراءة القرآن‏.‏ ومن الذّكر الواجب الأذان والإقامة على القول بأنّهما يجبان على الكفاية، وردّ السّلام، والتّسمية على الذّبيحة‏.‏ فينظر تفصيل أحكام كلٍّ منها في موضعه‏.‏

فضائل الذّكر وفوائده
 منزلة الذّكر بين شعائر الدّين بوجوهٍ كثيرةٍ منها ما يلي‏:‏
الأوّل‏:‏ أنّ الذّكر بالمعنى الشّامل لتلاوة كتاب اللّه تعالى هو أفضل الأعمال على الإطلاق، ونقل ابن علّان عن شرح المشكاة لابن حجرٍ أنّ قضيّة كلام الشّافعيّة أنّ الجهاد أفضل من الذّكر‏.‏ ووجه الأوّل ما في حديث أبي الدّرداء مرفوعاً ألا أنبّئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والفضّة، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى، قال‏:‏ ذكر اللّه ‏.‏
قال صاحب نزل الأبرار‏:‏ أفاد الحديث أنّ الذّكر خير الأعمال على العموم، وأنّه أكثرها نماءً وبركةً وأرفعها درجةً‏.‏
ومثله حديث  : الغازي في سبيل اللّه لو ضرب بسيفه في الكفّار حتّى ينكسر ويختضب دماً لكان الذّاكرون اللّه أفضل منه درجةً. واستشكل بعض العلماء تفضيل الذّكر على الجهاد مع ورود الأدلّة الصّحيحة أنّه أفضل الأعمال، وجمع بعض أهل العلم بين ذلك بأنّه باعتبار الأشخاص والأحوال فمن كان مطيقًا للجهاد قويّ الأثر فيه فأفضل أعماله الجهاد، ومن كان كثير المال فأفضل أعماله الصّدقة، وغير هذين أفضل أعماله الذّكر والصّلاة ونحو ذلك‏.‏ قال الشّوكانيّ‏:‏ ولكن يدفع هذا تصريحه صلى الله عليه وسلم بأفضليّة الذّكر على الجهاد نفسه في هذه الأحاديث‏.‏
وجمع ابن حجرٍ بأنّ المراد بالذّكر الّذي هو أفضل، من الجهاد، الذّكر الكامل الجامع بين ذكر اللّسان وذكر القلب بالتّفكّر والاستحضار، فالّذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممّن يقاتل الكفّار من غير استحضارٍ لذلك، وأفضليّة الجهاد هي بالنّسبة للذّكر اللّسانيّ المجرّد‏.‏
ونقل عن ابن العربيّ أنّ وجه الجمع أنّه ما من عملٍ صالحٍ إلاّ والذّكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر اللّه بقلبه فليس عمله كاملاً، فصار الذّكر أفضل الأعمال من هذه الحيثيّة‏.‏ وأفضل أهل كلّ عملٍ أكثرهم فيه ذكراً للّه تعالى، فأفضل المصلّين أكثرهم ذكراً للّه، وأفضل الصّائمين أكثرهم في صوم هم ذكراً للّه، وكذا الحجّاج والعمّار، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : سبق المفرّدون، قالوا ومن المفرّدون يا رسول اللّه، قال‏:‏ الذّاكرون اللّه كثيرًا والذّاكرات. وذمّ اللّه تعالى المنافقين بقلّة الذّكر في صلاتهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏.
الثّاني‏:‏ أنّ جميع العبادات إنّما شرعت لإقامة ذكر اللّه تعالى من ذلك قول اللّه تعالى في شأن الصّلاة ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي‏}‏، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المساجد «إنّما هي لذكر اللّه عزّ وجلّ والصّلاة وقراءة القرآن
الثّالث‏:‏ أنّ اللّه تعالى مع الذّاكرين بالقرب والولاية والنّصر والمحبّة والتّوفيق، وأنّه يذكر من ذكره، ومن نسي اللّه نسيه وأنساه نفسه‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ‏}‏‏ 
وفي الحديث عن أبي هريرة قال‏:‏  قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم .‏
الرّابع‏:‏ أنّ ذكر اللّه تعالى يحصّن الذّاكر من وسوسة الشّيطان ومن أذاه قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ‏}‏‏.‏ وعن ابن عبّاسٍ قال‏:‏ ما من مولودٍ إلاّ على قلبه الوسواس، فإذا عقل فذكر اللّه خنس، وإذا غفل وسوس‏.‏
الخامس‏:‏ ما في الذّكر من الأجر العظيم، ومن ذلك ما في الحديث «ألا أحدّثكم شيئًا تدركون به من سبقكم،وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلاّ من صنع مثل ما صنعتم، قالوا بلى يا رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ تسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كلّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين»‏.‏ السّادس‏:‏ أنّ الذّكر يكسو الذّاكرين الجلالة والمهابة ويورثهم محبّة اللّه الّتي هي روح الإسلام، ويحيي عندهم المراقبة له والإنابة إليه والهيبة له وتتنزّل السّكينة‏.‏
وفي الذّكر حياة قلب الذّاكر ولينه، وزوال قسوته، وفيه شفاء القلب من أدواء الغفلة وحبّ المعاصي، ويعين الإنسان على ما سواه من الطّاعات، وييسّر أمرها، فإنّه يحبّبها إلى الإنسان ويلذّها له، فلا يجد لها من الكلفة والمشقّة ما يجده الغافل‏.‏
وفي الصّحيح مرفوعاً : مثل الّذي يذكر ربّه والّذي لا يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت ‏.‏ ومعنى الحديث أنّ التّارك للذّكر وإن كان في حياةٍ ذاتيّةٍ فليس لحياته اعتبار، بل هو شبيه بالأموات حسًّا الّذين أجسادهم عرضة للهوامّ، وبواطنهم متعطّلة عن الإدراك والفهم‏.‏
السّابع‏:‏ أنّ الذّكر أيسر العبادات مع كونه أجلّها وأفضلها وأكرمها على اللّه تعالى، فإنّ حركة اللّسان أخفّ حركات الجوارح، فيه يحصل الفضل للذّاكر وهو قاعد على فراشه وفي سوقه، وفي حال صحّته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذّته، ومعاشه، وقيامه، وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس شيء من الأعمال الصّالحة يعمّ الأوقات والأحوال مثله‏.‏ فيكون الذّكر باللّسان وبالقلب‏.‏ والمراد بالذّكر باللّسان أن يتحرّك به اللّسان ويسمع نفسه على الأقلّ إن كان ذا سمعٍ، ولم يكن هناك لغط يمنع السّماع‏.‏ وذكر اللّسان على الوجه المبيّن يتأدّى به الذّكر المكلّف به في الصّلاة ونحوها، ولا يجزئ في ذلك مجرّد إمرار الذّكر المطلوب على القلب‏.‏
قال الفقهاء‏:‏ وذلك معلوم من أقواله ص أنّ من قال كذا فله من الأجر كذا‏.‏ فلا يحصل ذلك إلاّ بما يصدق عليه القول‏.‏
وقد اتّفق العلماء على أنّ الذّكر باللّسان وبالقلب جميعًا أفضل من الذّكر باللّسان وحده دون مواطأة القلب أي مع عدم إجرائه على القلب تسبيحاً كان أو تهليلاً أو غيرهما، وأفضل من إمرار الذّكر على القلب دون نطقٍ باللّسان‏.‏ وهذا كلّه في الذّكر القلبيّ بالمعنى المبيّن، أمّا الذّكر القلبيّ بمعنى تذكّر عظمة اللّه عند أوامره ونواهيه وإرادة الفعل الّذي فيه رضاه فيفعله، أو الّذي فيه سخطه فيتركه، والتّفكّر في عظمة اللّه وجبروته وآياته في أرضه وسماواته ومصنوعاته .
صيغ الذّكر
  الأذكار القوليّة قسمان‏:‏ أذكار مأثورة، وهي ما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم تعليمها والأمر بها، أو ورد عنه قولها في مناسبةٍ خاصّةٍ أو في غير مناسبةٍ ومن قبيل الذّكر المأثور الأذكار القرآنيّة كذكر ركوب الدّابّة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ‏.‏ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ‏}‏‏.‏

 ‏ الأذكار المأثورة

  الأذكار الواردة في الكتاب والسّنّة كثيرة أفردها كثير من العلماء بالتّأليف منهم النّوويّ وابن الجزريّ وغيرهما‏.‏ والقرآن وإن كان كلّه ذكراً بالمعنى الأعمّ للذّكر إلاّ أنّ فيه ممّا يتعلّق بتعظيم اللّه تعالى والثّناء عليه - وهو الذّكر بالمعنى الأخصّ - الشّيء الكثير الطّيّب‏.‏ وقد جمع النّوويّ في أذكاره جملاً من ذلك، وكذا الشّيخ صدّيق حسن خان في باب الدّعوات القرآنيّة من كتابه‏.‏
فمن ذلك أمره تعالى لنا بالاستعاذة عند قراءة القرآن بقوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‏}‏‏.‏
وأمّا المأثورات عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكثيرة لامجال لهذا البحث المختصرذكرها .‏ ثمّ المأثورات عن  بيت العصمة سلام الله عليهم . .‏
                
                             المبحث الاول
موقع القرآن من الكتب السماوية
إن القرآن الكريم قد إمتاز عن باقي الكتب السماوية بميزتين:
اولا - إن القرآن الكريم كتاب محفوظ بكليته على عكس غيره من الكتب السماوية الأخرى والتي وإن كان الذكر فيها قد حفظ إلا أنها لم تسلم من الإضافة عليها وإليك أخي العزيز هذه الآية التي تجلي وتبين هذا المعنى (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : 42] ومنه فإن هذه الآية هي ما يجب أن يحتج بها على حفظ القرآن الكريم من الباطل والتحريف والدس وأما الآية ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فهي إشارة إلى الذكر الموجود في كل الكتب السماوية والذي ما زال محفوظا كما أخبرنا المولى عز وجل لذا فالأفضل عدم الإستدلال بها على حفظ القرآن بشكل خاص دون غيره من الكتب السماوية الأخرى كما يظن كثير من المسلمين 
ثانيا - هيمنة القرآن الكريم على ما بين يديه من كتب ولعل هذا نتيجة حتمية للميزة الأولى للقرآن والآية التالية تؤكد على هيمنة القرآن على الكتب السماوية الأخرى( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[المائدة : 48[

التوراة والإنجيل في القرآن
كما أشرنا سابقا فأن الذكر محفوظ في التوراة والإنجيل ولكن هل يتعارض هذا مع إشارة القرآن إلى وجود تحريف في الكتب السماوية السابقة؟
سنستعرض الآيات التي فيها إشارة إلى التحريف وهي مصنفة في ثلاث مجموعات 
المجموعة الاولى
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة : 75]
مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء :  46فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة : 13 يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة : 41
تبين الآيات السابقة كيف أن بعض اليهود كانوا يحرفون الآيات تحريفا تطبيقيا وتفسيريا بمعنى أنهم لا يعملون بها ويفسرونها على غير معناها بما يتناسب وأهواءهم .
المجموعة الثانية
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران : 78 فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة : 79 تؤكد الآيتين السابقتين على التحريف الكتابي الذي قام به نفر من أهل الكتاب لقاء ثمن قليل
المجموعة الثالثة
وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام : 91 كما توضح الآية فإن من اليهود من يخفي بعض ما انزل الله على موسى , وأما معنى الإخفاء فيحتمل امرين
-إما أن تكون الآيات مكتوبة في القراطيس أي الكتب والورق ولكنهم يتجاهلوها ويتناسوها ولا يعملون بها ولا يبينوها للناس
- أو أن تكون غير مكتوبة أصلا لأن سياق الآية يبين أنهم جعلوا ما أنزل على موسى في قراطيس ثم أخفوا كثيرا منها وأظهروا بعضها بالشكل المبين في الإحتمال الأول والله أعلم
مما سبق يظهر لنا بأن حفظ الذكر في التوراة والإنجيل لا يتعارض مع وجود تحريف فيهما وهذا يظهر بكل وضوح لمن قرأ التوراة والإنجيل من قبل فإذا ما قرأت التوراة والإنجيل ستجد كيف أنها جاءت توحد الله وتحث على عمل الصالحات وتنهى عن الفواحش وغير ذلك مما جاء به القرآن فكل ذلك هو من الذكر المحفوظ وأما ما تراه من التحريف فهو لا يخفى على كل مسلم حقيقي مؤمن بالله وسأضرب لك مثالا على ما هو محرف في التوراة, فهناك مقولة في التوراة تقول(بأن الله نسي )سبحانه وتعالى عما يقولون فمثل هذه المقولات لا تخفى على كل مسلم ذي بصيرة فهذه واحدة من التحريفات وكتابات البشر وقد أتى تكذيب وتفنيد هذه الإفتراءات في التوراة نفسها وذلك ما توضحه هذه الآية التالية في التوراة وهي (هل الله ابن إنسان حتى ينسى) فكما ترى وجود التحريف لم يلغي المحفوظ بل على العكس تماما حيث أن المحفوظ هو الذي يفند المحرف ويمحيه
الخلاصة
- أن التحريف في التوراة والإنجيل على نوعين
- تحريف تطبيقي وتفسيري
تحريف كتابي تم عن طريق الإضافة بمعنى إضافة ما يكتبه المحرفون بأيديهم ووضعه في الكتاب ليحسبه الناس أنه من الكتاب
 أن التوراة والإنجيل يحتويان على الذكر والحق الذي أنزله الله عز وجل يجب على المسلمين أن ينتهوا عن القول بأن التوراة والإنجيل المنزلين غير موجودين الآن بل على العكس يجب أن يقروا ويؤمنوا بأن التوراة والإنجيل الحاليين هما نفسهما التوراة والإنجيل المنزليين مع الأخذ بعين الإعتبار إلى ما حدث فيهم من دس وتحريف , فعلى المسلم أن يدعوا أهل الكتاب لإقامة التوراة والإنجيل والقرآن قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة : 68
- على المسلم أن يدعوا اليهود للتحاكم بالتوراة والنصارى للتحاكم بالإنجيل وإليك الدليل وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة : 47 وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة : 43
 على المسلمين أن يحكموا بالقرآن فيما بينهم وإذا ما رجع أهل الكتاب للمسلمين كي يحكموا بينهم فعلى المسلمين أن يحكموا بينهم بما انزل الله عليهم في القرآن الكريم كما هو واضح في الآية التالية
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة 
 على المسلم أن بناقش أهل الكتاب بكتبهم فهي عليهم حجة وليس كما يحدث الآن من قبل المسلمين الذين يجادلون أهل الكتاب والذين يبدأون نقاشهم بدعوى أن التوراة والإنجيل الموجودين بين يديهم محرفة لا يحتج بها وأن القرآن هو المرجعية التي يجب أن يعودوا إليها في النقاش , وإليك  الأسباب التي توضح صدق ما ادعوا إليه  أن التوراة والإنجيل الحاليين ما زال الذكر فيهم محفوظا وبالتالي فإنه من الخطأ رفضهم بمجملهم لما فيه من تضييع للحق ومخالفة لما أمرنا الله به من الإيمان بالكتب السماوية كما جاء في هذه الآيات الكريمة 
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : 285 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136 أن التوراة والإنجيل لا يوجد فيهم أي دليل أو تأييد لما ذهب إليه النصارى  من ضلال في عقيدتهم ولما ذهب إليه اليهود من إتباع لأهوائهم بل على العكس تماما فلو قرأت الإنجيل ستجد هناك الكثير من الآيات التي تؤكد على الوحدانية التي نادى بها القرآن وعلى أن عيسى عبد الله ورسوله مبعوث من عند الله عز وجل
 ثم الواجب علينا ان نبين ان لكلمة ذكر معان متعددة يتداول بها الناس نذكر منها  
 ذَكَرَ اسْمَهُ   : جَرَى على لِسانِهِ ، اِنْطَلَقَ بِهِ . أي يَذْكُرُ اسْمَ الله.
 ذَكَرَ اللَّه :  حَمِدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، سَبَّحُهُ ، مَجَّدَه.
 ذَكَرَ الدَّرْسَ  : حَفِظَهُ في ذِهْنِهِ .
 ذَكَرَ النِّعْمَةَ  : شَكَرَها .    ذَكَرَ الأَمْرَ  : فَطِنَ لَهُ .
  ذَكَرَ الأَمْرَ ذِكْراً وَذِكْرَى وَتَذْكاراً : اِسْتَحْضَرَهُ في ذِهْنِهِ بَعْدَ مُرورِ وَقْتٍ على حُدوثِ
  ذَكَرَ حَقَّ جارِهِ : حَفِظَهُ وَلَمْ يُضَيِّعْهُ
يَذْكُرُهُ بِالخَيْرِ ذَكَرَ لَهُ واقِعَةً مِنْ أَيَّامِ طُفولَتِهِ  : اِسْتَحْضَرَها وَقالَها لَهُ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ خَيْراً .
عَمَلٌ يُذْكَرُ  : خَليقٌ بِأَنْ يُتَحَدَّثَ عَنْهُ وَيُشارَ إِلَيْهِ .
عَمَلٌ لا يُذْكَرُ  : لا شَأْنَ لَهُ ، لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ . 
ذَكَرَ النَّاسَ  : اِغْتابَهُمْ وَعابَهُمْ
 ذَكَرَ الشَّيْءَ لَهُ : أَعْلَمَهُ بِهِ 
الذِّكْرُ: الحِفْظُ للشيء و تَذْكُرُه. و الحفظ يعنى الحراسة
 إذن الإنسان بفطرته التى فطره الله عليها يستطيع أن يصل لمراد الله، فأطلق الله كلمة ( الذكر) تسمية على كل ما أنزله على رسله من رسلات للناس لأنها تذكرة لهم بفطرتهم، لأنه قضى بحفظ و تذكر كلية أمره و مراده من الاندثار أو النسيان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  (9) الحجر ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) آل عمران

المبحث الثاني
هل ان القران هو الذكر فقط من الكتب السماوية ؟
إن  ما يتلى على النبي محمد ص هو القرآن، فالقرآن هو من آيات الله و من الذكر و لكن ليس فقط هو الذكر
و فيما يلى آيات تدل على أن ذلك
أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) القمر{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) الحجر
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) الفرقان
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) الفرقان . ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ص} اي ان القرآن فيه تذكرة  لرسالة الله للناس إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) يس} إنما الإنذار يؤتى ثماره مع من يتذكر رسالة الله . ولقد يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) القمر} (ادّكر، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان} وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل} (أَهْلَ الذِّكْرِ: هم الذين يتذكرون  الرسالات ) 


      الخلاصة 
و مما سبق من آيات نتبين حقيقة قرآنية هى أن الذكر أسم يصف ما أنزل من الله تذكرة للناس بواسطة الرسل بما فيهم الرسول محمد ص ،بالإضافة إلى الحقيقة الواقعية أن هذه الرسالات لم تحفظ بنصها بين الناس بدليل اندثار نصوص رسالات ذكرت فى القرآن، أو تغيير كثير من مما أرسل للناس من الله بواسطة هؤلاء الرسل، و بالتالى لا يمكن تخصيص كلمة الذكر أو محتواه على ما أنزل على الرسول محمد فقط حيث أنزل على غيره من الرسل، و كذلك أن الحفظ لم يكن حفظا لنص حيث اندثرت نصوص أو تغيرت بتدخل البشر، و عليه نرى أن حفظ الذكر ليس بالمعنى الدارج المشهور الذى هو حفظ النص القرآنى من التبديل أو الزيادة أو النقص، بل يتسع لمعنى أرحب هو أن محتوى و مفهوم كل الرسالات التى أنزلت على رسله بأمره و مراده، محفوظ من التبدل أى محفوظ بثبات كليات محتواها و مفهومها، أى أن الأمر و المراد الإلهى واحد لكل الأمم و هذا المراد هو المحفوظ و لا يتغير، و ما الرسالات التى أنزلت على الرسل قد سميت ذكرا إلا لأنها تذكير دائم للناس بوجود الله و مراده، و تعهد الله بالحفظ له يعنى عدم اختلاف مراده و ثباته فى مضمونه الكلى و لن يُنسى أو يندثر أو يختفى من علم الناس و يظل مذكورا حتى يرث الله الأرض و من عليها

المبحث الرايع
مفهوم الذكر في القران الكريم) الذين امنوا تطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب (والذي نستفيده من الآية المباركة  فما جاء بمعناه اللغوي بان الذكر بالكسر نقيض النسيان وهو الحفظ للشيء  واماالمعنى الاصطلاحي للذكر هو حصول المعنى للنفس ،فلا يكفي الذكر اللساني حتى يسمى الانسان ذاكرا ما لم يحصل المعنى للنفس أي يفهم الانسان ما يقول بلسانه .والآية المباركة تشير إلى هذا المفهوم الذي يتكامل من خلاله الانسان في علاقته مع الله عز وجل ويمكن الوقوف على المراد من خلال استعراض النقاط الاساسية التي تشير لها الآية المباركة فنلاحظ  فيها شطرين وكل شطر فيه قسمين
(الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله)الشطر الاول قوله تعالى نستفيد ان الايمان واطمئنان القلوب بذكر الله مترابطان فيحصل للنفس المؤمنة بعد ايمانها وتصديقها بالله تعالى مطاوعة وقبوله خاص بالنسبه ما ادركته وصدقت به يوجب تسليمها له ولما يقتضيه من الاثار وعلامة ذلك مطاوعة سائر القوى والجوارح وقبولها له كما طاوعته النفس وقبلته فيرى الانسان نفسه في امن من قبوله ومطاوعته ويسكن قلبه اليه ويستقر هو في قلبه من غير ان يضطرب فالايمان يلازم اطمئنان القلب بذكر الله
الامر الثاني : هذا الاطمئنان لاينافي ما في قوله تعالى (انما المؤمنين الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم (فان الوجل وهو شدة الخوفي حصل في قلب المؤمن عند ذكر الله تعالى ففي الوهلة الاولى نتصور ان هناك تناقض من خلال الذكر لله تعالى يحصل الاطمئنان ويحصل الوجل كما تشير الآيتان اعلاه ولكن بعد التدقيق نجد ان حالة الوجل تحصل عند المؤمن عندما يذكرالله تعالى فيلتفت الى ذنوبه وما صدر عنه من معاصي فيصيبه الخوف الشديد من الله تعالى لان المؤمن لشدة حبه لله تعالى ومعرفته بأن هذه الذنوب توجب غضب الله تعالى فهو يخاف من ان اثار هذه الذنوب توجب حجبه عن محبوبه أما حالة الاطمئنان فلمعرفة المؤمن بأن الله تعالى هوالمصدر للرحمة  والعطاء والكرم لذلك عندما يذكره ويلتفت الى هذه المعاني فيحصل له السكينة والهدوء الذي نعبر علية بالاطمئنان .
أماالشطر الثاني من الآية المباركة وهو قوله تعالى)الا بذكر الله تطمئن القلوب) ففيه امرين :
1- تنبيه للنايس ان يتوجهوا إلى الله تعالى ويذكروه حق ذكره ويريحوا قلوبهم بذكره فانه لاهم للانسان بحياته إلاالفوز بالسعادة والنعمة ولاخوف له إلامن ان تغتاله الشقوة والنقمة من الله تعالى .
2- ان الله تعالى هو السبب الوحيد الذي بيده زمام الخير والية يرجع الامر كله وهو القاهرفوق عبادة المؤمنين به فكل قلب على ما يفيده الجمع المحلي بالالف واللام من قوله تعالى (القلوب)يطمئن بذكرالله وحدة ويسكن به ما فيه من القلف والاضطراب وفي لفظ الآية ما يفيد الحصر حيث قدم متعلق الفعل فيفيد ان القلوب لا تطمئن بشيءغير ذكره الله سبحانه .
البحث الروائي
نستفيد من الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام لبيان بعض ثمرات الذكر
  1- الذكر مفتاح الصلاح :عن الإمام علي عليه السلام :أصل اصلاح القلب اشتغاله بذكر الله 
 2ـ الذكر حياة القلوب :عن الإمام علي عليه السلام :من ذكر الله سبحانه احيا الله قلبه ونور عقله 
 3ـ الذكر قوت النفوس :عن الإمام علي عليه السلام :ذكر الله قوت النفوس ومجالسه المحبوب
 4ـ الذكر نور القلب : عن الإمام علي عليه السلام عليك بذكر الله فانه نور القلوب 
 5 - الذكر جليس الله : عن الإمام علي عليه السلام ذاكر الله سبحانه مجالسة الذكر لذة عن الامام  الصادق  ع ذكر الله مسرة كل متق ولذة كل موقن ومن مصاديق الذكر الكثير ذكر الامام الصادق عليه السلام:تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل اذكروا الله ذكرا كثيرا

 المبحث الخامس
 ما هي آثار الذكر والدعاء على الفرد والمجتمع أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا؟  .
الإجابــة
 الذكر لغة مصدر ذكر الشيء يذكره ذِكْرا، وذُكْرا، وقال الكسائي: الذكر باللسان ضد الإنصات، ذاله مكسورة، وبالقلب ضد النِّسيان وذاله مضمومة، وقال غيره: بل هما لغتان
وهو يأتي في اللغة لمعان
الأول: الشيء يجري على اللسان، أي ما يُنطَق به، يقال: ذكرْت الشيء أذكره ذُكرا وذِكرا إذا نطقت باسمه أو تحدثت عنه، ومنه قوله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2 .
والثاني: استحضار الشيء في القلب، ضد النسيان. قال تعالى حكاية عن فتى موسى: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف: 63.
قال الراغب في المفردات، ونقله عنه صاحب القاموس في بصائره: الذكر تارة يراد به هيئة للنفس بها يمَكَّن الإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ، إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، والذكر يقال باعتبار استحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة حفظ، وكل قول يقال له ذكر، ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: 200 .
أما في الاصطلاح، فيستعمل الذكر بمعنى ذكر العبد لربه عز وجل، سواء بالإخبار المجرد عن ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، أو أحكامه أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه، أو بإنشاء الثناء عليه بتقديسه، وتمجيده وتوحيده وحمده وشكره، وتعظيمه، ويستعمل الذكر اصطلاحا بمعنى أخص من ذلك، فيكون بمعنى إنشاء الثناء بما تقدم، دون سائر المعاني الأخرى المذكورة، ويشير إلى الاستعمال بهذا المعنى الأخص قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. فجعلت الآية الذكر غير الصلاة، على التفسير بأن نهي ذكر الله عن الفحشاء والمنكر أعظم من نهي الصلاة عنهما، وجعل الحديثُ الذكرَ غير تلاوة القرآن، وغير المسألة، وهي الدعاء، وهذا الاستعمال الأخص هو الأكثر عند الفقهاء.
وأُطلِق الذكر في القرآن على عدة أمور باعتبار المعنيين اللغويّين أو واحد منهما، فأطلق على القرآن العظيم نفسه في مثل قوله تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ [الانبياء: 50 .وقال: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران:58 .وأطلق على التوراة في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الانبياء:105 .وأطلق على كتب الأنبياء المتقدمين، قال الراغب: قوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل: 43]. أي الكتب المتقدمة، وقال الزبيدي: كل كتاب من كتب الأنبياء ذكر، وقال تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي [الانبياء: 24 .أي هذا هو الكتاب المنزل على من معي والكتاب الآخر المنزل على من تقدمني، وهو التوراة والإنجيل والزبور والصحف، وليس في شيء منها أن الله أذن بأن تتخذوا إلها من دون الله، وقد فسرت الآية أيضا بغير ذلك.وأطلق الذكر على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً  رَسُولاً [الطلاق: 10-11 .
فقد قيل: إن الذكر هنا وصف للرسول ص كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه يبشر به في الكتب المتقدمة. وأطلق الذكر بمعنى الصِّيت، ويكون في الخير والشر، وبمعنى الشرف، من حيث إن صاحبهما يُذكَرُ بهما. وقد فُسِّر بهما قوله تعالى لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الانبياء: 10]. وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: 44 .
وأطلق الذكر بمعنى الاتعاظ وما يَحصل به الوعظ، وقد فُسِّر بذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. وقوله تعالى:فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ [الزخرف:5 .
قال الرازي: المعنى: أنرد عنكم النصائح والمواعظ. وقد فُسِّرت بغير ذلك.
وأطلق الذكر في السنة النبوية على اللوح المحفوظ، وذلك في قول النبي ص: وكتب الله في الذكر كل شيء أي لأن اللوح محل للذكر كتب الله فيه كل شيء من الكائنات
     خلاصة المباحث
مما تقدم نستنجد ان
  الذكر بمعنى ذكر الله تعالى والثناء عليه.
  والذكر بمعنى النطق باسم الشيء.
  والذكر بمعنى استحضار الشيء في القلب.
 والذكر بمعنى الشُّهْرَة والصيت والشرف.
والذكر بمعنى  القرآن  التوراة الإنجيل. الوعظ. الدعاء.
 معنى الدعاء
الدعاء لغة مصدر دعوت الله أدعوه دعاء ودعوى، أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير، وهو بمعنى النداء، يقال: دعا الرجل دعْواً ودُعاء أي: ناداه، ودعوت فلانا صِحْت به واستدعيته، ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله.
ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة، فهو داعي الله، والجَمع: دعاة وداعون، ودعاه يدعوه دعاء ودعوى: أي رغب إليه، ودعا زيدا: استعانه، ودعا إلى الأمر: ساقه إليه.
والدعاء في الاصطلاح: الكلام الإنشائي الدال على الطلب مع الخضوع، ويسمى أيضا سؤالا.
وحقيقة الدعاء استدعاء العبد من ربه العناية واستمداده إياه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والبراءة من الحول والقوة التي له، وهو سمة العبودية وإظهار الذِّلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه وقد ورد في القرآن الكريم بمعانٍ منها:
أ- الاستغاثة: كما في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام:40-41].
ب- العبادة: كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [الأعراف: 194]. وقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف: 28]. وقوله تعالى: لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً [الكهف: 14].
ج- النداء: ومنه قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [الاسراء: 52]. وقوله: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص: 25].
د- الطلب والسؤال من الله: وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186]. وقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]
ويوافق هذا المعنى ما يقال: دعوت الله أدعوه دعاء، أي ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، والداعي اسم الفاعل من الدعاء، والجمع دعاة، وداعون، مثل قاضٍ وقضاة وقاضون. انتهى
الذكر والدعاء واثارهما
وأما آثار الذكر والدعاء على الفرد والمجتمع، فظاهرة لا تخفى وكثيرة لا تحصى، ولكن نجمل أهمها في النقاط التالية
  الحماية من الهلاك والحصانة من المكروه والحصول على المرغوب
  الحفظ والعناية والمعية الخاصة للذاكرين والداعين
  الحصول على البركات والخيرات
  حصول الأمن والاستقرار
  تحقق النصر والظفر على الأعداء، فالذكر والدعاء ثبات للقلب وقوة للبدن
  رفعة الدرجات في الآخرة
  الطمأنينة وراحة البال لاستشعار الذاكر والداعي أن الله معه، ومن كان الله معه، فلا غالب له


 والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى اله الطاهرين
عربي باي